مقالات

منذ التحول الديمقراطي في 2003 وقبلها بسنوات طوال حتى والنساء في العراق في صراعات مستمرة لتحقيق موضع قدم في المشاركة السياسية ودعم الديمقراطية في صناعة القرار، شكل هذا النضال أساس للأجيال النسوية التي نشآت ضمن صراعات هذا التحول. في محاولة منهن بعد كثير من العمل من أجل تمكين أنفسهن الى ايجاد أي فرصة مناسبة تضمن مشاركة حقيقية لهن على الرغم من العنف الهيكلي المتجذر والفجوات الجندرية وهي بالمحصلة النهائية تطال حقوقهن المختلفة.

 يعرف العنف الهيكلي باعتباره: "أي سيناريو يؤدي فيه الهيكل الاجتماعي إلى استمرار عدم المساواة" وفي العراق تمثل هذا كل السياسات المعمول بها على الصعيدين السياسي والقانوني حيث انها تسلم بان النساء اقلية تمثيليا أو ان أغلبهن لم يعملن على قضايا تخص المرأة، يمكن تلمس ان كثير من مشاركات المرأة لم تكن مشاركة حقيقية فعلية، حيث كان وجود نسبة كبيرة منهن يشبه الى حد كبير الديكورات التي تتبجح بها الأحزاب والكتل السياسية دون أن يكون لها صوتاً قوياً وواضحاً في القضايا المفصلية التي تخص المرأة بالفعل.

وبعد كل ما خاضته المرأة من صراعات ونضالات مستمرة طالت جميع الصعد، مازال النظام الذكوري يهيمن على مراكز صناعة القرار ويلقي باللوم على المرأة في عدم التقدم ويضرب امثلة عن نماذج نساء ناجحات، طبعا نساء ناجحات وفق معايير ذكورية بحته، ناجحات أولا بعدم اغضاب المجتمع ويقتنعن بمواقعهن اليوم دون النضال من أجل الحصول على المواقع الحقيقية لهن، متناسين ما تم تنشئتها عليه من مبادئ وما تم تلقينها إياه في مناهج الدراسة غير الحساسة جندريا والأبوية كليا والتي تتماشى والتفكير من منطلقات النظام الذكوري، وتنميط  دورها الاجتماعي، حتى الوظائف في سوق العمل وكل ما هو مؤسس ليجعلها أداة لأسناد النظام وإعادة انتاجه كل مرة، الجانب المشرق ان هذا الخطاب لم يعد يجدي نفعا بل ان الوضع على وشك ان ينفجر متغيرا، اذ ان المرأة العراقية اليوم وخاصة بعد انتفاضة تشرين انتقلت الى مرحلة جديدة تبلورت فيه ارادتها للانتقال الى وضع اجتماعي جديد ذو قيمة وصوت اعلى واكثر تاثيرا في المجتمع.
هذه الرحلة من التراجع والتقدم المتعاقب خلقت ما يسمى بإرادة الانتقال التي من ممكن ان تُعرف بانها عملية جماعية تدريجية تأسس لتغيير محسوس وتعتبر الشرارة الأولى للتحول الديمقراطي في كل زمان ومكان، ومن الممكن ان هذه الإرادة تبلورت وتعرفن عليها النساء انفسهن بشكل أوضح خلال انتفاضة تشرين 2019.

اعتقد ان من اول مؤشرات إثر هذه الإرادة هو اتساع نطاق الحركة النسوية واتخاذها منصات معروفة وواضحة وتبلور مناصرين من الجنسين للمناداة بحقوق النساء والتعريف بأهمية مشاركتهن وحماية هذه المشاركة وهذا يعتبر او تأسيس للديمقراطية الحقيقية للنساء، كذلك فانه يمكن اعتبار استمرار الزخم النقاشي حول التابوهات واشراك ممثلات نساء عن أحزاب وجهات سياسية كانت في الساحة منذ الأزل لكنها تحرص اليوم على ابراز نساء ضمن كوادرهم، مؤشر اخر على هذه الارادة وتأثيراتها، اذ ان هذه الإرادة لم تؤثر على اشراك النساء فقط بل شملت ككل حراك نسوي وقوف النساء بجانب الحقوق عامة ـ اذ لا ديمقراطية بدون مطالب شمولية تقاطعيه ـ.

واما فيما يخص مؤشر اتساع النسوية، فأعتقد انها علاقة طردية فكلما زاد نشاط الحراك النسوي كلما ازدادت ارادة الانتقال وتبعا تزداد معها عمليات التأسيس لزيادة مشاركة النساء والتقاطعيه في المطالب والتأسيس لمؤسسات أكثر حساسة جندرياً. اذ انه لا يوجد تراكم ديمقراطي بدون (نسوية و/او ضغط نسوي محلي ودولي) لان النسوية هي النظرية الوحيدة التي تسمح للنساء بتكوين رصيد متراكم من الممارسات وتاريخ تجريبي لهن- كذلك فأنها الوحيدة التي تلائم الحراك المتنوع الذي تطالب به النساء.

اعتقد ان الان هو وقت النساء الأمثل للتحرك وتغيير وضعهن الاجتماعي، لكن يجب عليهن ان يحددن مجال قوتهن وعناصرها لتكون وسيلتهن للحركة ، واعتقد انهن فعلاً حددن قيمتهن في استمرارية  الزخم وطول مدة الاحتجاجات في تشرين 2019 اذ ان لولا مشاركتهن الفعالة واثرها الشامل والفعال لما استمرت الاحتجاجات لعام ،  واعتقد ان الجهات المتنفذة اصبحت تعرف ذلك أيضا،  خاصة وانه من خلال مراقبة منصات التواصل التي تعني بالقضايا النسوية في العراق، نلاحظ ان القضايا التي تناصرها النساء تعالج بصورة اسرع  او يتم تشكيل لجان بخصوصها وتحظى باهتمام عالي، بغض النظر عن إمكانية الالتفاف على معالجات تلك القضايا.

كذلك يمكن اعتبار الوصول النسوي للمنظمات الإقليمية والدولية ووسائل التواصل قوة عالمية وجبهة اخرى للنضال
كذلك يجب ان يكون من ضمن خطتهن تطويع القيم المحلية لجعلها اكثر دعما للنساء عن طريق تغييرات بالسياسات وبشكل تعاقبي ويبقى كل هذا الجهد لانتقال الى تنظيم اكبر للحراك النسوي الجمعي واكثر من التنظيمات الفردية لضمان وصول اعلى وتغيير اعمق واكثر استدامة.