مقالات

يمتد تاريخ الاهوار لآلاف السنين، وهي عبارة عن مسطحات مائية على مساحة ٨٠٠٠ كم من مساحة العراق تتميز بالتنوع الإحيائي والارث الحضاري الذي يتصل بالحضارة السومرية القديمة ، امتدادها الجغرافي يقع في ثلاثة محافظات هي ذي قار وميسان والبصرة، بين فترة وأخرى تتعرض الاهوار الى جفاف يفقدها مساحاتها المعروفة كما تخسر الكثير من تنوعها الاحيائي المميز ما يعزز القناعات دائما ان هذا الإرث الطبيعي بحاجة الى حلول مستدامة توفر له الحماية المطلوبة خصوصا بعد ان تم اضافتها الى لائحة التراث العالمي في عام ٢٠١٦ .

تواجه الاهوار العراقية في الوقت الحاضر جفاف غير مسبوق لأسباب مختلفة اهمها  تقليل الحصص المائية لنهري دجلة والفرات وروافدهما من قبل دول المنبع ( تركيا وايران ) بالإضافة الى سوء إدارة ملف توزيع المياه في العراق مما أدى الى فقدانه نسبة كبيرة من مخزونه المائي حسب متخصصين بالملف المائي  وهناك عوامل أخرى مرتبطة بالتغييرات المناخية التي يتأثر العراق بها بشكل كبير  المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة وقلة نسب الامطار السنوية مما يعرض الاهوار لخطر جفاف حقيقي بالإضافة الى بعض المحاولات التي تم رصدها لتجفيف مساحات معينة من الاهوار للاستكشافات النفطية  وذلك بحسب الآراء الرسمية المحلية التي يتفق معها الخبراء والناشطون في مجال حماية الاهوار والذين بدورهم يحملون المسؤولية الى صاحب القرار المائي في العراق العاجز عن إيجاد حلول مستدامة الهدف منها حماية الاهوار.

تأثير الجفاف على الواقع الاجتماعي لسكان الاهوار

يرتبط السكان المحليين اقتصاديا بالاهوار حيث يعمل اغلبهم في مجال صيد الأسماك وتربية المواشي بالإضافة الى اعتماد بعضهم على القصب والبردي وهو امر تأثر بشكل كبير بالجفاف الذي تتعرض له للاهوار في الوقت الراهن حيث تمت ملاحظة نفوق عدد كبير من المواشي بالإضافة الى شحة الصيد كما هو حال الغطاء النباتي الذي تآثر أيضا وبشكل كبير حيث تشير الدراسات الى تصحر مناطق كبيره من الاهوار بفعل الجفاف الحاصل تقدر حسب الإحصائيات ما يعادل ٦٠٪ من مساحة الاهوار الكلية  . ان هذا الارتباط أدى بالنتيجة الى فقدان عدد كبير من سكان الاهوار مواردهم الاقتصادية مما ينذر بخطر هجرة السكان المحليين وما يترتب عليها من تغيير ديمغرافي لمناطق الاهوار والمدن المحيطة بالإضافة الى فقدان نمط اقتصادي – اجتماعي فريد من نوعه يعتبر جزءا مهما من الهوية الوطنية . و حسب دراسة صدرت عن منظمة الهجرة الدولية iom  تشير الى هجرة عدد من العوائل من الاهوار الوسطى الى المدن القريبة في محافظة ذي قار بعد ان ضاقت بهم سبل العيش في ضل غياب أي محاولة من الجانب الحكومي للتخفيف من حجم الضرر الذي تعرضوا له وتوفير الحصص المائية الكافية لمناطق الاهوار بهدف استدامة الوجود السكاني والحفاظ علي الهوية الاجتماعية .

 

ماذا عن المفاوضات مع دول الجوار

تعد سياسة بناء السدود التي تتبناها تركيا والتي تمثلت في بناء اضخم سدود العالم ( سد اليسو ) علي نهر دجلة بالإضافة الى سياسة ايران التي انتهجتها منذ عدة سنوات التي أدت الى تحويل مجرى اكثر من ٣٧ رافد الى داخل الأراضي الإيرانية التحدي الأبرز الذي حال دون حصول العراق علي حصته المائية الكافية بالإضافة الى ضعف دور المفاوض العراقي المتمسك بأساليب تفاوضية لا تنسجم مع لغة التفاوض التي يتبناها العالم في ضل ازمه عالمية للمياه هذا في جانب ، وفي جانب اخر يتمثل في غياب استراتيجية واضحة للحكومات العراقية المتعاقبة لإدارة ملف المياه المشتركة ، بالإضافة الى ذلك عدم توفر نقاط قوة يتم وفقها بناء موقف العراق من تركيا وإيران وسياستهما في إدارة ملف المياه المشتركة، اذ ان الموقف العام الذي يتبناه العراق اليوم مبني على المطالبة بحصص عادلة أو توقيع اتفاق يخص الحصص المائية، ولكن في الحقيقة ان ذلك لم يعد ملائما أو كافيا بكل حال من الأحوال.

 في المقابل هناك تحدي اخر يواجه المفاوض العراقي متمثلاً في عدم التنسيق السلطات المختلفة، التشريعية والتنفيذية وسلطات إقليم كردستان والحكومات المحلية، ويمكن القول ان ذلك يشمل ضعف التنسيق داخل الحكومة الاتحادية نفسها، ونضيف الى ذلك ضعف دور وزارة الخارجية في تبني مطالب العراقي لحصته المائية.

ان الحاجة الى إدارة جيدة لملف المياه مع دول الجوار بات امرآ حتميا بعد ازمة الجفاف التي مر بها العراق في عام ٢٠٢٢ والتي قد تتفاقم في المستقبل القريب لتشكل ازمة وجود حقيقية خصوصا بعد ان تم قطع ٧٠٪ من حصة العراق المائية من قبل تركيا ورفض ايران أي تفاوض يخص المياه مع العراق  مما يجعل العراق الطرف الوحيد الخاسر في معادلة المياه في المنطقة .

هل تخرج الاهوار من لائحة التراث

ان وجود الاهوار ضمن لائحة التراث العالمي مرتبط بوجود التنوع الاحيائي فيها بالإضافة الي استدامة النمط الاجتماعي لسكان الاهوار الذي تتميز به ، وفي ظل تعرض الاهوار لازمات مستمرة تهدد بقائها ودور حكومي عجز في توفير ابسط متطلبات انضمام الاهوار الى لائحة التراث عالمي اصبح هناك يقين بأمكانية ان تغادر الاهوار العراقية قائمة التراث العالمي لتضاف الي قائمة أخرى تعنى بخسارة العراق لاهم جزء من تراثه الطبيعي والحضاري المتمثل بالاهوار الوسطى وهور الحويزة وما تحوية هذه المناطق من تنوع احيائى وتراث ثقافي يشكل بداية تكوين الهوية العراقية الحضارية . ومن هنا تبرز الحاجة الى دور اجتماعي ضاغط بأتجاه صاحب القرار ينظم من قبل منظمات المجتمع المدني المعنية والمهتمة بالتراث الطبيعي والحضاري في العراق من اجل حماية واستدامة وجود الاهوار العراقية وتطويرها بما ينسجم وروح العصر دون المساس بهويتها التراثية .

بين وزارتي الموارد والهجرة

تشير الاخبار الى ان وزارة الموارد المائية نقلت ملف هجرة في مناطق الاهوار الى وزارة الهجرة والمهجرين، ما يدل على تنصل وإهمال وزارة الموارد المائية عن مسوولياتها في توفير الحصص المائية الكافية للحد من ظاهرة النزوح والهجرة ، هذا وادلى وكيل وزارة الهجرة والمهجرين بتصريح رسمي ذكر فيه ان وزارته وضعت خطة لمواجهة نزوح التصحر، من غير الكشف عن أي تفاصيل بشأن الخطة أو أعداد العائلات النازحة بسبب الجفاف. من جانب اخر افاد مسؤول في الوزارة لم يذكر اسمه في تصريح صحفي، بأن وزارته تتابع باهتمام موجات النزوح بسبب الجفاف الخانق لكنها غير مسؤولة عن أزمة المياه كونه الملف ضمن حدود مسؤولية وزارة الموارد المائية، إلا أن الهجرة تعمل على التنسيق والتعاون مع وزارة الموارد المائية        ووزارة الزراعة لإيجاد الحلول لتفادي هذه الازمة .

حلول والتدابير للخروج من الازمة

ليس من السهل القول ان الحلول المتوفرة يمكن ان تقدم نتائج سريعة، فالأمر بحاجة الى الكثير من العمل والتخطيط والمتابعة واتباع سياسة تفاوضية حقيقية وصارمة مع دول الجوار واستخدام الاتفاقيات الدولية التي تنظم الحصص المائية ما بين الدول المتشاطئة للضغط ، من المناسب هنا التذكير بأن العراق عضواً في اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997، وان المادة 18 من هذا الاتفاق تشير الى انه إذا كان لدى دولة من دول المجرى المائي أسباب معقولة للاعتقاد بأن الدولة اخرى من دول المجرى المائي تزمع اتخاذ تدابير يمكن أن يكون لها أثر ضار ذو شأن عليها، جاز للدولة الاولى أن تطلب إلى الدولة الثانية تطبيق أحكام المادة 12، ويرفق بالطلب شرح مدعم بالمستندات يبين أسبابه ، هذا في جانب وفي جانب اخر يجب تحسين الإدارة المائية في العراق بما يضمن العدالة في توزيع الحصص المائية خصوصا لمناطق الاهوار بالإضافة الى العمل على استراتيجية وطنية تتعامل مع التغيرات المناخية التي يتعرض لها العراق منذ سنوات والعمل على سياسات مائية تقوم على حماية الامن الغذائي والمائي في العراق وتحافظ على الإرث الطبيعي فيه .