أعاد البرلمان العراقي عرض مسودة قانون حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي للنقاش في آذار/مارس 2023. ليس من الواضح أي نسخة يعتمدها اليوم البرلمان العراقي، بينما يجري تداول نسخ مختلفة من المسودة الخاصة بالقانون عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ووفقا للبرلمان العراقي فان النسخة المعتمدة هي مسودة العام 2011 والمكون من 17 مادة، (سنشير له بمسودة عام 2011). كونها مازالت موجودة وتم قراءتها قراءة أولى وثانية. أما ما تم تداوله مؤخرا باللغة العربية والإنكليزية، هو نسخة مقترحة من الحكومة العراقية وهي مسودة مكونة من 14 مادة فقط (سنشير لها بمسودة عام 2023). ووفقا للجنة القانونية فان مسودة عام 2023 ستعتبر مقترح تعديلات على المسودة الأصلية (نسخة عام 2011).
ونسخة عام 2011 قوبلت باعتراضات عديدة كونها تهدد الحريات التي كفلها الدستور العراقي فيما يتعلق بحرية التعبير والتجمع والتظاهر، وتفرض عليها قيود متعسفة ومخالفة للمعايير الدولية الناظمة لتلك الحقوق بضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقام عدد من المنظمات الدولية والمحلية مثل منظمة حرية الصحافة، على سبيل المثال لا الحصر، وقتها في إصدار مواقف وتحليل للمسودة أوضحت أوجه القصور ومكامن الخطر على الحريات. الاحتجاجات من منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية ضد القيود الموجودة في مشروع القانون لعام 2011، أبعدت تنفيذ القانون منذ اقتراحه قبل 12 عامً.
ونشعر بالقلق من كون كلا المسودتين تتناول تعريفات وصياغات عامة وغير واضحة. على سبيل المثال في المادة1 – فقرة 4 من مسودة عام 2011، وهي نفسها المادة 1 فقرة رقم 4 من مسودة عام 2023، يتم تناول تعريف من الفصل الأول المعني بالتعاريف والأهداف، الاجتماع العام بالشكل التالي “الاجتماع العام: هو الاجتماع الذي يعقد في مكان عام او خاص ويكون الحضور متاحاً للجميع.” وهو تعريف واسع جدا، يشمل أنوع متعددة ومختلفة من الاجتماعات. فمثلا ماذا عن الاجتماعات العامة التي ليست متاحة للجميع؟ مثلا اجتماع أعضاء شبكة من منظمات المجتمع المدني وهو اجتماع محدد لأعضاء تلك الشبكة. ماذا عن اجتماعات التداول بين عدد محدد من المنظمات أو النقابات أو الاتحادات أو المجاميع التطوعية بل وحتى الأحزاب السياسية والتي تقتصر على عدد معين من المدعوين؟
ويعود قلقنا من هذه التعريفات العامة غير الواضحة إلى أن مسودة القانون تفرض متطلبات لعقد اجتماع عام وبغض النظر عن نوعه. فمثلا في المادة رقم 7-أولاً من مسودة عام 2011، تنص بان ” للمواطنين حرية الاجتماعات العامة بعد حصول إذن مسبق من رئيس الوحدة الإدارية قبل (5) أيام في الأقل على أن يتضمن طلب أذن موضوع الاجتماع والغرض منه وزمان ومكان عقدهُ وأسماء أعضاء اللجنة المنظمة له” نرى ان في هذه المادة انتهاك كبير لحق الأشخاص بالتجمع حيث يرهن حقهم بالتجمع بوجود موافقة مسبقة من أشخاص لا صلة لهم بموضوع الاجتماع ولا تخصصه. كما تحضر المادة تسعة أولا في مسودة عام 2011، وهي نفسها المادة 8 أولا في مسودة العام 2023، تحضر” عقد الاجتماع أو التظاهر السلمي في أماكن العبادة أو المدارس والجامعات أو دوائر الدولة “وتشترط بان تكون موضوعات هذه الاجتماعات محددة بما خصصت له تلك الأماكن. وليس من الواضح من يحدد هذا وكيف سيتم تصنيف اجتماعات تتعلق بحقوق العمال، أو الطلاب أو الحق في العمل أو الحق في التعليم وغيرها من المواضيع التي قد تحتاج عقد اجتماعات في تلك الأماكن. كما وتنص مسودة عام 2011 على عقوبات سجن تصل لعشر سنوات وتربطها بنصوص عامة وفضفاضة.
وتنص المادة 12 من مسودة العام 2022 على التالي “لا يجوز وضع القيود على الحريات والحقوق المنصوص عليها في هذا القانون الا بناء على مقتضيات المصلحة العامة أو ما يخل بالنظام العام أو الآداب العامة” وهذه المادة تعيد فتح الباب أمام السلطات لفرض قيود حتى خارج مقترح هذا القانون المقيد، معتمدة على عبارات فضفاضة حيث ليس هنالك ما يحدد (مقتضيات المصلحة العامة او ما يخل بالنظام العام أو الإدآب العامة).
ننوه ان هذا القانون يتناول بالتقييد أكثر من حق فبالإضافة الى حق التجمع الذي ركنا عليه في هذا البيان، هنالك ايضا الحق في الحصول على المعلومة والحق بحرية التعبير والحق في التظاهر السلمي.
إن كل ما استعرضناه أعلاه من تقييد وحسب فهمنا يشكل خرق لجوهر الحقوق التي كفلها الدستور العراقي في المادة (36) والتي تنص على التالي “تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: اولاً: ـ حرية التعبير عن الراي بكل الوسائل. ثانياً: ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً: ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.”
نحن نفهم عبارة” وتنظم بقانون“، إشارة إلى أن الحاجة لتنظيم الحق لا يجب أن تمس بجوهر الحق نفسه والذي يجب أن تكفله الدولة. وهذا أيضا يرتبط بالالتزامات الدولية على عاتق العراق والتي تجمع على ضرورة احترام هذه الحقوق وبما ورد من تفسيرات ومفاهيم ومعايير دولية.
وتخلو مسودة عام 2011 ومسودة عام 2023 من أي إشارة صريحة تعلن التزام العراق بمفهوم حق التجمع كما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – المادة 20 أولا ” لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية.“ وكما نصت عليه المواد المتخصصة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه العراق، كالمادة 21 والتي تنص بشكل صريح ”يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.“ وكذلك المادة 22 خصوصا الفقرة“ 1 و 2. والتي تنص على التالي“1- لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. “”2- لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. كذلك تعبر مجموعتنا عن قلقها بان هذا التشريع يهدد ايضا حق الإنسان في التعبير عن رأيه وتلقي المعلومات والأفكار بحرية ودون تدخلات أو قيود غير مشروعة من قبل الدولة أو جهات خاصة.
تشدد مجموعة العمل الدائمة لمواجهة تقليص مساحة المجتمع المدني في العراق “مساحة” على أن ظاهرة التضييق على مساحات العمل لمنظمات المجتمع المدني في ازدياد وان تشريع قوانين مثل القانون موضوع هذا البيان، يهدد بمزيد من التضييق ويرهن في طبيعة الحال حق الإنسان في التجمع والتظاهر، بيد السلطة وأجهزتها المختلفة. نعتقد وبشدة بان البقاء بدون قانون هو خيار أفضل من تشريع قانون يسئ ويحد من الحريات ويخالف التعهدات الدولية للعراق.
أما في حال التوجه لتمرير قانون فنحن نطالب بمنح فرصة حقيقية للمجتمع المدني المختص والمستقل للمساهمة في النقاشات وإشراك الجهات الدولية المختصة، مثل مكتب حقوق الإنسان التابع لبعثة الأمم المتحدة. كما ونطالب بان ينص أي تشريع جديد وبشكل صريح على المرجعية الدولية والالتزام بها، لتجنب التأويلات والتفسيرات التي تقلص الحقوق بدلا من تنظيمها. نرجو من الفاعلين العراقيين والدوليين مساعدتنا على إيصال وجهة النظر هذه إلى حكومات دولهم والى حكومة العراقي ومجلس النواب العراقي. نحن نطالب المجتمع الدولي بالتضامن معنا من اجل حماية الحقوق والحريات والتمسك بها.
عن مساحة مجموعة العمل الدائمة لمواجهة تقليص مساحة المجتمع المدني في العراق.